بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ﴾
في وطني .. وإلى عهد قريب ، كان الواحد منا إذا أراد الكلام ، قال : صلوا على محمد .. وإذا أراد حسم الجدال ، قال : صلوا على محمد .. وإذا غضب وأراد أن يمنع خصمه من الكلام ، قال : صل على محمد .. وإذا أعجبه شيء أو تعجب له ، قال : يامصلي على النبي .. صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا كثيرا .
في وطني .. وإلى عهد قريب ، لا يخلو بيت من اسم محمد ، فإن لم يكن فأحمد وإلا فمحمود ، أو مصطفى ، أو مختار .. فإن لم يكن ، فمن الأسماء المولدة عن محمد .. محاد ، ومحند ، وحمادي ، وموح .. وهكذا ..
في وطني .. وإلى عهد قريب ، لا يخلو بيت من اسم فاطمة بنت الرسول .. فإن لم يكن ، ففطومة وفطوم ، أو طيطم وطيطومة وطيطوم ، أو الزهرة ، وزهيرة ، وزهرة ، وزهور .. وهكذا ..
في وطني .. يحب الجزائريون رسولهم ، محمد الأمين جد السبطين .. كما يحبون ابنته ، فاطمة الزهراء أم الحسنين .
لذلك .. لما جاء المحتل الفرنسي إلى الجزائر .. لم يجد فيها إلا رجلا وامرأة .. محُمَّد وفَاطْمَة .. فكان كل الرجال عنده محمدا ، وكانت كل النساء عنده فاطمة .
وعلى هذا الأساس ، كان الصراع في الجزائر ومن أول يوم ، يدور بين طرفين لا ثالث لهما .. الإسلام من جهة ، والكفر من جهة .. الجزائر هي الإسلام ، وفرنسا هي الكفر .. الجزائريون هم المسلمون ، والفرنسيون هم الكفار .. هكذا حكم كل طرف على الآخر ، وكان الحكم صحيحا لا ريب فيه .
في وطني .. كان الناس يغفلون عن الصلاة في شبابهم ، ولايؤدونها إلا في كبرهم ، بعدما يتقدم بهم العمر .. أما الصيام ، فغالبا ما يبدؤونه قبل البلوغ ، ولا يتركونه بعد ذلك أبدا .
في وطني .. يقبلون منك أن تنكر عليهم ترك الصلاة ، أو توبخهم على شرب الخمر ، وتنهاهم عن فعل المنكرات .. ولكن، لا يقبلون منك أبدا ، أن تقول لأحدهم أنت كافر ، ولست مسلما .. فإن فعلت ، ثارت ثورتهم ، وقامت عليك القيامة.
وشخصيا ، لم أجد تفسيرا مقنعا ، لمثل هذه الظاهرة ، إذ كيف يتسع قلب لنقيضين لا يجتمعان ، الغيرة على الدين والغفلة والمعصية .. حتى قرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي قال فيه لبعض الصحابة ، وقد كانوا يوبخون ويلعنون ويعنفون ، رجلا مسلما كان قد شرب الخمر .. قال لهم : " دعوه فإني قد علمت أنه يحب الله ورسوله " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فعرفت .. أن النفس تميل بصاحبها إلى الملذات ، والشيطان يزين له فعل المنكرات ، فيرتكب المعاصي ويأتي المحرمات .. لكن جذوة الإيمان في قلب المسلم ، تخبو ولا تنطفئ ، وسرعان ماتعود إلى الاشتعال والضياء ، فيتغير المسلم من المعصية إلى الطاعة ، ومن الانحراف إلى الاستقامة .. ويختم حياته بالصالحات .. لأن صاحب المخبر السليم الطيب ، مهما كان مظهره خبيثا ، لابد أن يتغير ولو بعد حين ، طال الزمن أو قصر .
في وطني .. يحيد الشباب عن الجادة ، وينحرف عن الصراط المستقيم .. وربما يتملكه الشيطان ، فيرتكب الكبائر ، كالزنا والسرقة وشرب الخمر .. لكن ، إذا نادى المنادي : حي على الجهاد ويا خيل الله اركبي .. استيقظوا من غفلتهم وثاروا من سباتهم ، وتركوا متاع الدنيا وزينتها ، وأسرعوا إلى ساح الوغى ، يتسابقون لقتال أعداء الإسلام ومغتصبي الأوطان ، هاتفين الله أكبر ، على كل من طغى وتجبر .. ينفرون إلى الحرب بما تهيأ لهم من عدة ، فإن لم يجدوا شيئا ، حاربوا صابرين ، ولو بأياد فارغة وصدور عارية .. فيستشهد منهم من أذنت ساعته ، ويبقى على قيد الحياة من تأخر أجله .. وقد وقع هذا كثيرا خلال الثورة الجزائرية المباركة .
وكان المتعصبون من رجال الدين ، لا يجدون صعوبة في تصنيف هؤلاء العصاة ، مهما قاتلوا بشجاعة وبطولة .. فهم بالنسبة لهم ، كمثل ذلك المقاتل الشجاع الذي قال فيه الرسول : إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ..
لكن أهل الحق والبصيرة يخالفونهم الرأي ، ويحكمون بعكس ذلك ، لأنهم يفرقون بين رجل قاتل رياءً وسمعة ، وكشف الله لرسوله نيته فقال فيه ما قال ، وبين مؤمن أقبل على الله صادقا ، يدافع عن حياض الأمة ، ويحمي بيضة الإسلام ، فصدقه الله وأكرمه بالشهادة .. ورغم هذا ، لم يطمئن قلبي ولا استراح عقلي ، حتى قرأت حديث رسول الله في صحيح البخاري الذي يقول فيه : عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال :
" أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ ، وهو نَائِمٌ ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ ، فَقالَ : ما مِن عَبْدٍ قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ ، قُلتُ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَق َ؟ قالَ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ ، قُلتُ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ ؟ قالَ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ ، قُلتُ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ ؟ قالَ : وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ ، وكانَ أبو ذَرٍّ إذَا حَدَّثَ بهذا قالَ : وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ " .. وفي رواية ، قال : وإن زنى وإن سرق وشرب الخمر " ..
لا إله إلا الله ، ولا معبود بحق سواه ، ولا رب لنا غيره ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .. الجنة جنته ، والنار ناره ، والعباد عباده ، والملك ملكه ، وهو الله الواحد القهار .. يفعل ما يريد ، ويقضي بما يشاء ، وهو اللطيف الخبير ..
﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾.
.. إن رحمة الله واسعة ، لاريب في ذلك .. وإن عذاب الله لشديد ، لا شك في ذلك .. والقول ما قال الصادق المصدوق ، الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى :
" الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لِمَا بعد الموتِ ، والعاجزُ مَن أَتْبَعَ نفسَه هواها وتَمَنَّى على اللهِ الأماني" .
صدقت ياسيدي يارسول الله في الحديث الأول ، وما كَذَبتَنا ولا غرَّرت بنا ، وحاشاك أن تفعل .. فالموحدون مهما فعلوا ، لا يخلدون في النار ، لأن الله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك .. فمن غفر الله له ورحمه ، فبفضله .. ومن حاسبه وعاقبه ، فبعدله .. ولا يظلم ربك أحدا .
وصدقت يا سيدي يانبي الله في الحديث الثاني ، ونصحتنا مشفقا ، وفتحت أعيننا على الحق ، لنبادر ونعجل بالتوبة وفعل الخيرات وترك المنكرات .. خوفا علينا من مكر الله ..
﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
آآآه ، يا سيدي يارسول الله ، لو رأيت شبابنا في سنوات السبعينات ، وما وصل إليه من تفسخ وانحلال ، وانحراف وضلال .. فقد تخلى كثير من الفتيان عن مروءتهم ، وتخلت فتيات كثيرات عن حشمتهن وعفتهن ، وامتلأت شواطئ البحار بالعراة من الجنسين ، وغصت شوارع المدن بالكاسيات العاريات وأشباه الرجال ولارجال ، وأضحى الخمر يباع في حوانيت البقالة فضلا عن الحانات والمخامر ، ومال أشباه المثقفين إلى الأفكار الإلحادية يعتنقونها وينشرونها ، فضلوا وأضلوا ، وفسدوا وأفسدوا ..
لو رأيت تلك الصور والمشاهد ، لكنت قلت ما قاله أحد جنودك وواحد من ورثتك ، العالم الجليل وإمام المسجد العتيق بجيجل ، الشيخ محمد الطاهر ساحلي ، وقد سأله أحد المصلين عن مظاهر الانحراف في وسط الشعب الجزائري ، وكيف تتفق مع مقولة الإمام عبد الحميد بن باديس ، شعب الجزائر مسلم ، فقال غاضبا متأسفا : لو عاد ابن باديس إلى الحياة ، ورأى ما نرى ، لقال استغفر الله لقد أخطأت ، ولتبرأ منهم وما يفعلون .
ويشاء الله ، أن يعيش شيخ المسجد الكبير ، ويرى تلك البذور الطيبة ، التي زرعها دعاة الحق الصالحين ، كيف بدأت تنمو وتكبر ، وتخضر أوراقها وتزهر .. ومد الله في عمره ، حتى شاهد أشجار الدعوة الباسقة ، وثمار الصحوة الإسلامية اليانعة ..
فقد بارك الله العلي القدير ، جهود رجال الإصلاح الصادقين ، الذين انتشروا في مختلف مدن البلاد وقراها ، يدعون الناس إلى كتاب ربهم ، والعودة إلى سنة نبيهم ، ويفتحون عيونهم على الأخطار التي تهدد وجودهم ومستقبل أمتهم .. فاستيقظ الفتيان وعادوا ، وابتعدوا عن أماكن اللهو والمجون وغابوا ، وأقبلوا على المساجد يعمرونها وتابوا ..
أما الفتيات وما أدرك مالفتيات ، فقد نبذن التبرج وملن إلى لباس الحشمة يشترينه ، وأقبلن على الحجاب والجلباب يرتدينه ، فغزا اللباس الإسلامي البيوت والشوارع ، وانتشر في المدارس والجامعات والمصانع ، وصار الناس لا يرون إلا ما يرضي الله ويشرف المسلمين .
ولو رأيت ياسيدي يا رسول الله ثَمَّ رأيت صلاحا وخيرا كثيرا .. فالمساجد ضاقت بأهلها واكتظت ، والشوارع من حولها بالمصلين قد غصت ، والحناجر بالتهليل والتكبير والتسبيح قد ضجت .. وأصبحت الساحات والأحياء كلها مساجد ، بل الجزائر على شساعتها تحولت إلى مسجد جامع كبير .. وبات الناس آمنين على أنفسهم وأموالهم ، مطمئنين على دينهم ، لا يخافون ..
ولو رأيت ما رأينا يارسول الله .. لقلت ما قال ابن باديس وزيادة :
شعب الجزائر مسلم ، وسيبقى مسلما ، ولا يموت إلا مسلما .
في وطني يارسول الله .. لما جاءت ساعة الحسم ، وأعطيت الفرصة للشعب ، ليختار ممثليه ، ويقول كلمته في مشروع المجتمع الذي يريد ، بكل حرية وسيادة .. اختار المشروع الإسلامي دون تردد ، وأدار ظهره لغيره من المشاريع .. أما العلمانيون ، فقد نكرهم ونبذهم نبذا .
في وطني يارسول الله .. تعظم وتمجد كل الأعياد والمناسبات والتواريخ ، التي ترتبط بالإسلام من قريب أو بعيد .. فأيام عيد الأضحى عطلة مدفوعة الأجر ، وكذلك عيد الفطر ، ومثلهما الأول من محرم ، ويوم عاشوراء ، ويوم المولد النبوي الشريف ، ويوم الجمعة ..
أيام ومناسبات كبيرة ، تذكر المؤمنين بربهم ، وتشدهم إلى دينهم ، وتزيدهم حبا لنبيهم .
في وطني .. كل الرجال محمد ، وكل النساء فاطمة .. شهد بذلك العدو .. وشهد بذلك الصديق .
سيدي يا نبي الله .. أيها الصادق الأمين .. ستبقى فوق رؤوسنا دوما وأبدا .. فأنت الرسول ونحن أتباعك ، وأنت القائد ونحن جنودك ، وأنت خليفة الله في الأرض ونحن رعاياك .. من أحبك أحببناه ، ومن نكرك نكرناه .. من والاك واليناه ، ومن عاداك عاديناه .. من نصر دينك نصرناه ، ومن حارب دينك حاربناه ..
فأنت النبي حقا .. وأنت الرسول صدقا .. وأنت النبي لا كذب .. وأنت ابن عبد المطلب .
سيدي يا حبيب الله .. إليك هذه الأبيات ، من ابنتي التي أسميتها فاطمة ، تيمنا وتبركا بأم الحسنين ، رجاء مني وطمعا ، أن تتشبه بها ، وتتخلق بأخلاقها ، وتسير بسيرتها .. أبيات كتبتها مدحا وثناء عليك ، فاقبلها منا عربون محبة ووفاء ..
صلى الله عليك .. صلى الله عليك .. صلى الله عليك .. صلى الله عليك وآلك وصحبك ومن والاك وسلم تسليما كثيرا ، صلاة طيبة مباركة دائمة ، لا تنقطع أبدا .